إشكالية الثقافة
تمحور الإشكالية
حول السؤال التالي : كيف تحافظ أنماط الحياة على بقائها ؟ والجواب الأوّلي هو : إن
استمرارية نمط الحياة ، تعتمد على وجود علاقةٍ تسانديةٍ متبادلة بين تحيّز ثقافي معين
ونمط محدد للعلاقات الإجتماعية .
والسؤال هنا ،
ماذا يعني هذا الحشد المفاهيمي ؟! وقبل هذا ، ما هي الثقافة ؟
إن الثقافة طريق
متميز لحياة الجماعة ، ونمط متكامل لحياة أفرادها ، فهي التي تؤكد الصفة الإنسانية
في الجنس البشري ، وتتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والتفسيرات العقلية والرموز
والإيديولوجيات وما شاكلها من المنتجات العقلية ، فهي تشير إلى النمط الكلي لحياة شعب
ما ، والعلاقات الشخصية بين أفراده وكذلك توجهاتهم . إذن ، المفهوم المركب للثقافة
يشتمل على :
– التحيزات الثقافية .
– العلاقات الإجتماعية .
– أنماط أو أساليب الحياة .
التحيز الثقافي
يشير إلى القيم والمعتقدات المشتركة . والعلاقات الإجتماعية هي أنماط العلاقات الشخصية
بين الأفراد ، أما نمط الحياة فهو تركيبة حية من العلاقات الإجتماعية والتحيز الثقافي
.
وعنوان الكتاب
’’نظرية الثقافة‘‘ إنما يدل على النظرية التي ابتدعها المؤلفون ، وهي ’’نظرية القابلية
الإجتماعية- الثقافية للنمو‘‘ ، التي تقوم على العلاقة الإرتباطية بين قابلية نمط الحياة
للنمو ، وبين التوافق والإنسجام بين العلاقات الإجتماعية والتحيزات الثقافية . وأنماط
الحياة التي توصل إليها المؤلفون هي : التدرجية ، الفردية ، المساواتية ، القدرية ،
الإنعزالية . بمعنى آخر :
– الفردية
= الخصخصة (Privatization) .
– المساواتية = الراديكالية (Radicalization) .
– التدرجية = البيروقراطية (Bureaucracy) .
– القدرية = التهميش (Marginalization) .
– الإنعزالية / الإستقلالية (الإنسحاب من الحياة)
.
لتفسير هذا الفرض
وتأكيده ، يعتمد المؤلفون على مصطلح ’’الشبكة- الجماعة‘‘، فـ”الجماعة” تشير إلى مدى
اندماج الفرد في وحدات متماسكة ، وكلما زاد الإندماج ، خضع اختيار المرء لقواعد مفروضة
عليه من الخارج ، وكلما كان نطاق تلك القواعد شاملاً وملزماً ، تقلّصت مساحة التفاوض
المتاحة في حياة الفرد . فبُعد “الجماعة” يتناول مدى تأثير عضوية الجماعة في استغراق
حياة الفرد ودعمها . أما “الشبكة” فهي القيود المفروضة إجتماعياً على السلوك . إن الحدود
القوية للجماعة مع أقل قدر من القيود هي التي تفرز علاقات إجتماعية مساواتية .
– فردية = حدود للجماعة ضعيفة ـ قيود على الأفراد
ضعيفة .
– تدرجية = حدود للجماعة قوية ـ قيود على الأفراد
قوية .
– قدرية = حدود للجماعة ضعيفة ـ قيود على الأفراد
قوية .
– مساواتية = حدود للجماعة قوية ـ قيود على
الأفراد ضعيفة .
إضافة إلى اعتماد
المؤلفين الأساسي على التفسير الوظيفي ، الذي
تُعد فيه نتائج سلوك ما أو ترتيب إجتماعي ما ، عناصر جوهرية في أسباب ذلك السلوك .
فبحسب ’’ماكس فيبر‘‘، ’’ينتشر الدين تبعاً للنتيجة النافعة‘‘. ودلالة الثقافة تتشكل
من العلاقة بين مكوناتها (2). إن سمة التحليل الوظيفي في معالجته للسؤال : ’’من المستفيد
؟‘‘ ، فما هو وظيفي بالنسبة لبعض أجزاء المجتمع ، ربما يكون غير وظيفي بالنسبة للأجزاء
الأخرى .
إن الإنحيازات
الثقافية تقوم بتشكيل تفضيلاتنا على الدوام ، والعلاقات الإجتماعية يحافَظ عليها بتوليد
تفضيلات تعيد بدورها إنتاج هذه العلاقات الإجتماعية . فالتفضيلات حول المخاطرة مثلاً
، يمكن شرحها من خلال الوظيفة التي تؤديها هذه التفضيلات لنمط حياة الفرد .
يمكن تلخيص النتائج
التي توصل إليها المؤلفون بما يلي :
1. هناك خمسة أنماط للحياة ، فقط ، قابلة للنماء
.
2. كل من هذه الأنماط يكون قابلاً للنماء ، فقط ، في
حضور كل الأنماط الأخرى ، إن العلاقات العدائية أمر ضروري لاستمرار التعايش المشترك
بين هذه الأنماط المختلفة ، بينما تؤدي العلاقات التبادلية [بينها] إلى نهاية المجموع
.
3. يمكن
تصنيف هذه العلاقات الجوهرية المتبادلة في حلقتين شديدتي الدوران ومترابطتين ، هما
: الحلقة الأولية ، التي يقوم فيها كل من أنماط الحياة الأربعة بتحقيق أمور حيوية للأنماط
الأخرى لا تستطيع تحقيقها لنفسها ، والحلقة الثانوية ، التي يستطيع فيها الإعتزالي
أن ينسحب من كل أنشطة المعاملات الكثيفة التي تفرزها الحلقة الأولية .
تعليقات
إرسال تعليق